<blockquote class="postcontent restore" align="right">
اهمية ومكانة الاخلاق في الاسلام
الحمدُ للهِ
واهبِ العطايا والنِّعَمِ، كاشفِ البلايا والنِّقَمِ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ
إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له؛ قسمَ الأخلاقَ بينَ عبادِهِ كما قسمَ
الأرزاقَ بينَ الأُمَمِ ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُ اللهِ ورسولُهُ الكريمُ
المكرَّمُ، صاحبُ الأدبِ الأكرَمِ والخُلقِ الأعظَمِ، صلَّى اللهُ عليهِ
وعلَى آلهِ وصحبِهِ الذين فَتَحُوا حُصونَ البلادِ وقلوبَ العِبادِ
بمكارمِ الأخلاقِ ومحاسنِ القِيَمِ, وسلَّمَ تسليماً كثيراً ما تردَّدَ في
حَيٍّ نَسَمٌ، وخَطَّ بنانٌ بِقلَمٍ.
أمَّا بعدُ:
فأوصِيكمْ
عِبادَ اللهِ ونفسِي بتقوَى اللهِ تعالىَ؛فإنَّ تقْوَى اللهِ أكرمُ ما
أسررْتـُمْ، وأجملُ ما أظهرْتُمْ، وأفضلُ ما ادخرْتـُمْ، اتقوا اللهَ في
السرِّ والعلَنِ،واجتنبوا الفواحِشَ ما ظهرَ مِنْها وما بطَنَ.
أيهُّا المسلمونَ:
إنَّ للأخلاقِ
في دينِنا الحنيفِ مكانَتَها السنِيَّةَ، ودرجتَها السامِيَةَ العليَّةَ،
فهِيَ حَجَرُ الزاوِيَةِ في بناءِ المجتمعاتِ، والأساسُ المتينُ في
نَشْأَةِ الحضاراتِ, وقُطْبُ الرَّحَى في تزكيةِ النفوسِ الأبِيَّاتِ,
وهِيَ دعوةُ الأنبياءِ والمرسلينَ، وزِينةُ عبادِ اللهِ المؤمنينَ،
وريحانَةُ المتقينَ، وحِلْيَةُ الصالحينَ . وقَدْ دعا الإسلامُ إلى كُلِّ
خُلُقٍ كريمٍ، ونفَّرَ مِنْ كُلِّ خُلُقٍ ذَميمٍ ، فرَبَّى أتباعَهُ علَى
الأخلاقِ الحميدةِ، والآدابِ المجيدةِ، وسَما بِهمْ إلى الأفعالِ
الرشيدةِ, والأقوالِ السديدةِ، فكانَتْ هذِهِ الأُمَّةُ أمَّةَ الأخلاقِ
والقِيَمِ، ورمزَ العِزَّةِ والشِيَمِ.
وإنمَّا الأممُ الأخلاقُ ما بقيَتْ فإنْ هُمُ ذهبَتْ أخلاقُهم ذهبُوا
ولقَدْ أخبرَ النبيُّ المصطفَى صلى الله عليه و سلم أنَّ الغايَةَ مِنْ بِعْثَتِهِ إنَّما هِيَ إتمامُ مكارِمِ الأخلاقِ فقالَ: " إنِّما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صالِحَ الأخلاقِ"
[أخرجَهُ أحمدُ]، وإنَّ الأخلاقَ الفاضِلَةَ لَدليلٌ علَى كَمالِ
الإيمانِ، وعلامَةٌ على رُسوخِ اليقينِ في الجَنانِ، كما روَى أبو هريرةَ t أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه و سلم قالَ:" أكملُ المؤمنينَ إيماناً أحسنُهُمْ خُلُقاً، وخِيارُكُمْ خِيارُكُمْ لِنسائِهِمْ خُلُقاً"[أخرجَهُ أحمدُ والترمذيُّ واللفظ له].واعلَموا أنَّ المتجَمِّلَ بالخُلقِ العظيمِ؛ المتحَلِّيَ بالأدبِ الكريمِ؛ جليسُ النبيِّ صلى الله عليه و سلم يومَ القيامةِ، فَعنْ جابرِ بنِ عبدِاللهِ رضِيَ اللهُ عنهما أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه و سلم قالَ :"إنَّ مِنْ أحبِّكُمْ إليِّ وأقربِكُمْ مِنِّي مَجْلِساً يومَ القيامةِ أحاسِـنَكُمْ أَخْلاقاً"[أخرجَهُ
الترمذيُّ وحسَّنه]، وبالأخلاقِ المباركَةِ يبلغُ المؤمِنُ درجَةَ
الصائِمِ الذي لا يُفْطِرُ والقائِمِ الذي لا يَفْتُرُ، قالَتْ عائِشةُ
رضِيَ اللهُ عَنْها: سمعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه و سلم يقولُ:"إنَّ المؤمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ درجَةَ الصائِمِ القائِمِ"[أخرجَهُ أبو داودَ والحاكِمُ]. وهِيَ أثقلُ شيءٍ في ميزانِ صاحِبِها يومَ القيامةِ؛ كما روَى أبو الدرداءِ t أنَّ النبيَّ صلى الله عليه و سلم قالَ: ما مِنْ شيءٍ أثقلُ في ميزانِ العبدِ المؤمنِ يومَ القيامةِ مِنْ حُسْنِ الخُـلُقِ، وإنَّ اللهَ يُبْغِضُ الفاحِشَ البَذِىَّ " [أخرجَهُ الترمذيُّ].
عبادَ اللهِ:
ولِرسولِ اللهِ صلى الله عليه و سلم
الكَعْبُ الأعْلَىِ والقِدْحُ المُعَلَّى في الأخلاقِ , إِذْْ كانَ
مَهْوَى أفئدَةِ الرجالِ بعظيمِ أخلاقِهِ وكريمِ سَجاياهُ, وأصالةِ
مَعْدِنِهِ ونُبْلِ شمَائِلِهِ ، كأنَّ الأخلاقَ كلَّها قَدْ جُمِعَتْ
فيهِ وحدَهُ حتَّى نَعتَهُ ربُّهُ العظيمُ بقولِهِ الكريمِ :{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ }(القلم:4) . هذا خادِمُهُ أنسُ بنُ مالكٍ t يقولُ: "خَدَمْتُ النبيَّ صلى الله عليه و سلم
عَشْرَ سِنينَ فما قالَ لِي أُفٍّ قَطُّ، وما قَالَ لِشيءٍ صنَعتُهُ:لِمَ
صنَعْتَهُ؟ ولا لِشيءٍ تركتُهُ: لِمَ تركتَهُ؟ وكانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم مِنْ أحْسَنِ النَّاسِ خُلقُاً" [أخرجَهُ البخاريُّ ومسلمٌ].
وقَدْ بالَ أعرابِيٌّ في المسجدِ فثارَ إليهِ الناسُ لِيَقَعُوا بهِ فقالَ لهمْ eدَعوهُ
وأَهْرِيقُوا عَلَيْهِ ذَنُوباً مِنْ ماءٍ أوْ سَجْلاً مِنْ ماءٍ فإنَّما
بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ ولَـمْ تُبْعَثوا مُعَسِّرِينَ"[
متفقٌ عليهِ]. وهوَ صاحِبُ الرِّفْقِ وَاللِّينِ، والسكينةِ والتواضُعِ،
والعفْوِ والصفْحِ والحِلْمِ والكَرَمِ، فقَدْ عَفا عَنْ قريشٍ حينَ
فَتَحَ اللهُ على يَدَيْهِ مكَّةَ المكرَّمةَ فقالَ لأهلِها: لا تثريبَ
عليكُمُ اليومَ اذْهبوا فأنتمُ الطُّلَقاءُ، وهُمُ الذينَ تَفَنَّنوا في
إيذائِهِ والسخريَةِ بِدينِهِ واضطهادِ أصحابِهِ وأتباعِهِ، ولمَّا عرَضَ
عَلَيْهِ مَلَكُ الجِبالِ أَنْ يُطْبِقَ علَى مَنْ آذاهُ الأَخْشَبَيْنِِ
عُقُوبةً لهَمْ أبَى صاحِبُ الخلُقِ الكريمِ ذلِكَ وقالَ:"بَلْ أرجُو أنْ
يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أصلابِهِمْ مَنْ يعبدُ اللهَ وحدَهُ لايشركُ بهِ
شيئا"[متفقٌ عليهِ]، وعلَى مِثْلِ هَذا سارَ أصحابُهُ الكِرَامُ ومَنْ
تَبِعَهمْ بإحسانٍ حتىَّ فَتَحوا البلادَ وقلوبَ العِبادِ بأخلاقِهمُ
الفاضِلَة ِوآدابِهمُ الكامِلَةِ.
وقَدْ صدقَ مَنْ قالَ:
فإذا رُزِقْتَ خَلِيقَةً مَحْمودةً فَقَدِ اصطفاكَ مُقَسِّـمُ الأرزاقِ
فالنَّاسُ هَذا حظُّهُ مالٌ وذَا عِلْـمٌ وذاكَ مكارِمُ الأخْـــــــلاقِ
إخوةَ الإيمانِ:
والمؤمنُ لا
يرضَى أنْ يعيشَ عَلَى هامِشِ الحياةِ ولا أَنْ يَحْيا بِلا قِيـَمٍ
وإنَّما هوَ صاحبُ رِسالةٍ يُتَرجِمُها عَمَلاً وسُلُوكاً يراهُ الناسُ في
أرضِ الواقِعِ صِدْقاً وعَدْلاً ، وقَوْلاً وعَمَلاً ، ويلمسونَهُ شِيَماً
وقِيَماً, يتمثَّلُ في مَبْدَأ الأقوالِ قولَ اللهِ تعالىَ: ]وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً()البقرة:83 [. ويتمثَّلُ في مبدَأ الأفعالِ قولَهُ تعالىَ:{وَلَا
تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ
أَحْسَــنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ
وَلِيٌّ حَمِيمٌ}(فصلت: 34).
فيتجمَّلُ بمحاسِنِ الأخلاقِ ظاهِراً وباطِناً فيكونُ كَثيرَ الحيَاءِ،
عَديمَ الأذَى، كثيرَ الصلاحِ،صَدوقَ اللسانِ، قَليلَ الكلامِ، كثيرَ
العملِِ, قليلَ الفُضولِ، بَرّاً وَصُولاً، وقُوراً صَبُوراً، مُقِرّاً
شَكُوراً، رَضِيّاً حَلِيماً، رَفيقاً عَفيفاً شَفيقاً، لا لعَّاناً ولا
سبَّاباً، ولا نَمَّاماً ولا مُغْتاباً، ولا عَجُولاً ولا حَقُوداً، ولا
بَخِيلاً ولا حَسُوداً، بشَّاشاً هَشَّاشاً، يحبُّ في اللهِ ويُبْغِضُ في
اللهِ، ويرضَى في اللهِ، ويغضَبُ في اللهِ.
بارَكَ اللهُ لي
ولكمْ في الوحْيَيْنِ، ونفَعَنا جميعاً ِبهَدْيِ سيِّدِ الثَقَلَيْنِ،
أقولُ ما تسمعونَ وأستغفرُ اللهَ العليَّ العظيمَ؛ فاستغفروهُ إنَّهُ هوَ
الغفورُ الرحيمُ .
</blockquote>